بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين والصّلاةً والسّلامُ على سيِّدنا محمّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، وبعد
(الفعل وأقسامه)
(ا) فهم الطالب.
سافر الرحالة.
رجع الغائب.
كل كلمة من الكلمات: "فَهِمَ" "سَافَر" "رَجَع"، ... تدل بنفسها مباشرة (من غير حاجة إلى كلمة أخرى)... على أمرين.
أولهما:مَعْنى ندركه بالعقل؛ وهو: الفهْم، أو: السفر، أو الرجوع، ويسمى: "الحَدَث"،
وثانيهما:زمن حصل فيه ذلك المعنى (أىْ: ذلك الحدث) وانتهى قبل النطق بتلك الكلمة؛ فهو زمن قد فات، وانقضى قبل الكلام.
(ب) وإذا غيرنا صيغة تلك الكلمات فقلنا: "يَفهم". "يُسافر". "يرجع"... دلت الكلمة فى صيغتها الجديدة على الأمرين أيضًا؛ المعنى (الحدَث) والزمن. ولكن الزمن هُنا لم يكن قد فات وانقضى؛ وإنما هو زمن صالح للحال، والاستقبال.
(حـ) وإذا غيرنا الصيغة مرة أخرى فقلنا: "افهمْ"، سافِرْ"، "ارجعْ"... دلت كل واحدة على الأمرين؛
المعنى (الحدَث) وهو: طلب الفهم، أو: طلب السفر، أو: طلب الرجوع.
والزمن الذى يتحقق فيه الطلب. والزمن هنا مقصور على المستقبل وحده؛ لأن الشىء الذى يطلبه إنسان من آخر لا يحصل ولا يقع إلا بعد الطلب وانتهاء الكلام؛ أى: لا يقع إلا فى المستقبل... فكل واحدة من تلك الكلمات وأشباهها تسمى: "فعلا".
فالفعل:
كلمة تدل على أمرين معًا؛ هما: معنى (أىْ: حدث) وزمن يقترن به
وأقسامه ثلاثة:
ماض، وهو: كلمة تدل على مجموع أمرين؛ معنى، وزمن فات قبل النطق بها.
ومن أمثلته قوله تعالى: {تَبَاركَ الذى جَعَل فى السماء بُرُوجًا، وجَعَلَ فيها سِرَاجًا؛ وقَمَرًا مُنِيرًا}.
ومضارع:وهو: "كلمة تدل على أمرين معًا: معنى، وزمن صالح للحالّ والاستقبال. كقوله تعالى: {قوْلٌ معْروفٌ، ومغْفِرةٌ خيْرٌ من صَدَقَة يتْبَعُها أذًى}،
ولا بد أن يكون مبدوءاً بالهمزة، أو النون، أو التاء، أو الياء...
وتسمَّى هذه الأحْرف: "أحرف المضارعة".
وفتحها واجب،
إلا فى المضارع الرباعىّ فتضمّ، وكذا فى: المضارع المبنى للمجهول. أما المضارع: "إخال" فالأفصح كسر همزته لا فتحها.
وأمر، وهو: كلمة تدل بنفسها على أمرين مجتمعين: معنى، وهذا المعنى مطلوب تحقيقه فى زمن مستقبل:
كقوله تعالى: {رَبِّ اجْعلْ هذا البَلد آمِنًا}،
ولا بد فى فعل الأمر أن يدل بنفسه مباشرة على الطلب من غير زيادة على صيغته؛
فمثل "لِتخْرجْ"، ليس فعل أمر؛ بل هو فعل مضارع، مع أنه يدل على طلب شىء ليحصل فى المستقبل؛ لأن الدلالة على الطلب جاءت من لام الأمر التى فى أوله، لا من صيغة الفعل نفسها.
وقد اجتمعت الأفعال الثلاثة فى قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ الكافرينَ والمنافقين، ودَعْ أذاهم، وتَوكَّلْ على الله، وكَفَى باللهِ وَكيلاً}،
وقول الشاعر:
*أحْسِنْ إلى الناس تَسْتَعْبِدْ قلوبهُمُو * فطالما استَعْبَدَ الإنسانَ إِحْسَانُ*
ولكل قسم من هذه الثلاثة علامات خاصة تميزه عن غيره؛
فعلامة الماضى: أن يقبل فى آخره التاءين؛
"تاء التأنيث الساكنة" مثل: أقبلتْ سعادُ. وصافحتْ أباها،
أو: "التاء المتحركة" التى تكون فاعلا؛ مثل: كلمتُكَ كلامًا فرحتَِ به،
(وتكون مبنية على الضم للمتكلم، وعلى الفتح للمخاطب المذكر، وعلى الكسر للمخاطبة).
وليس من اللازم أن تكون إحدى التاءين ظاهرة فى آخر الفعل الماضى؛ بل يكفى أن يكون صالحًا لقبولها، وإن لم تظهر فعلا.
مثل: أقبل الطائر؛ فنزل فوق الشجرة؛
فكلمة: "أقبل" و "نزلَ" فعل ماض، لأنه - مع خلوه من إحدى التاءين - صالح لقبول واحدة منهما: فتقول: أقبلتُ ... نزلتُ...
فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل الماضى ولكنها لم تقبل علامته فليست بفعل ماضى، وإنما هى: "اسم فعل ماض".
مثل:
هيهات انتصار الباطل، بمعنى: بَعُد جدًّا...
ومثل: شتَّان المنصف والباغى؛ بمعنى: افترقا جدًّا.
أو: هى اسم مشتق بمعنى الماضى؛ مثل: أنت مكرمٌ أمسِ ضيفك.
ومما تقدم نعلم أن كلمتى:
"نِعْم" (وهى: كلمة للمدح)
و"بئس" (وهى: كلمة للذم) فعلان ماضيان؛
لقبولهما تاء التأنيث الساكنة؛
تقول:
نعمتْ شهادة الحق، -
-وبئست شهادة الزور،
كما نعرف أن "ليس" و "عسى" فعلان ماضيان؛ لقبولهما التاءين.
وأما علامات المضارعة فمنها: أن يُنصَب بناصب، أو يجزم بجازم،
مثل:
لم أُقصِّر فى أداء الواجب...
ولن أتأخر عن معاونة البائس.
ومنها: قبوله "السين"، أو: "سوف" فى أوله،
مثل:
سأزورك، أو: سوف أزورك . . و . .،
ومثل قول الشاعر:
*سيكثُر المالُ يومًا بعد قلَّته * ويكتسى العُودُ بعد اليُبْس بالوَرق*
فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل المضارع ولكنها لم تقبل علامته فليست بمضارع؛ وإنما هى: "اسم فعل مضارع"؛
مثل: "آه"، بمعنى: أتوجع شدة التوجع،
"وأف" بمعنى: أتضجر كثيرًا.
و"وَيْكَ" ماذا تفعل؟ بمعنى أعجبُ لك كثيرًا !! ماذا تفعل؟
أو: هى اسم مشتق بمعنى المضارع؛ مثل الطائرة مسافرة الآن أو غدًا.
وأما علامة الأمر فهى:
أن يدل بصيغته على طلب شىء، مع قبوله ياء المخاطبة. فلا بد من الأمرين معًا؛
أى: أن علامته مزدوِجة؛
مثل:
ساعدْ من يحتاج للمساعدة،
وتكلمْ بالحق،
واحرصْ على إنجاز عملك.
وتقول: ساعدى.. وتكلمى... واحرصى...
ومن الأمثلة قوله تعالى للرسول الكريم: {خُذِ العفْو، وأمُرْ بالعُرْف، وأعْرِضْ عن الجاهلين} –
وتقول: خُذى... -وأمْرى... -وأعْرِضِى...
ومن فعل الأمر كلمة: "هاتِ" و : "تعالَ" لقبولهما علامته.
تقول: هاتى يا شاعرة ما نَظمتِ، وتعالىْ نقرؤه.
فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه فعل الأمر ولكنها لم تقبل علامته فليست بفعل أمر؛ وإنما هى: "اسم فعل أمر"؛
مثل:
"صَهْ"، بمعنى: اسكت.
و"مَهْ" بمعنى: اترك ما أنت فيه الآن،
و "نَزَالِ" بمعنى: انزلْ.
و "حيَّهَلْ" بمعنى: أقبلْ علينا.
وهناك علامتان مشتركتان بين المضارع والأمر.
الأولى: نون التوكيد خفيفة وثقيلة، فى نحو؛
والله لأجْتهدَنْ.
واجتهدنَ يا صديقى... بتشديد النون أو تخفيفها فى كل فعل.
الثانية: ياء المخاطبة،
مثل: أنت يا زميلتى تُحْسنين أداء الواجب، ومؤاساة المحتاجين؛ فداومى على ذلك.
فقد اتصلت ياء المخاطبة بآخر المضارع؛ وهو: "تحسنين" وآخر الأمر؛ وهو: دوامى...
[center]